Site Loader
5
(1)

اضطراب ما بعد الصدمة هو في جوهره طريقة العقل للتعامل مع حدث زعزع إحساس الإنسان بالأمان والسيطرة أو الثقة بالعالم من حوله. إنه ما يحدث عندما يرفض حدث مؤلم جدًا أن يبقى في الماضي، ويظل يطارد الحاضر من خلال الذكريات والمشاعر وحتى الجسد نفسه.


تخيل العقل كحديقة. قد يبدو الحدث الصادم كعاصفة عنيفة تقتلع كل شيء وتنشره في كل مكان. في أعقاب تلك العاصفة، تكافح الحديقة للنمو مرة أخرى، حيث تظل آثار العاصفة حاضرة في الأجواء. أعراض اضطراب ما بعد الصدمة—مثل استرجاع الذكريات المؤلمة، والتجنب، وفرط اليقظة—تشبه صدى تلك العاصفة، مما يجعل التربة غير مستقرة ويبقي البستاني حذرًا من زراعة شيء جديد.


جوهر الشفاء يكمن في إعادة التواصل مع تلك الحديقة، والاعتراف بتأثير العاصفة، وإيجاد طرق لإعادة البناء. من خلال الصبر والدعم والرعاية الموجهة—سواء عبر الإصغاء بتعاطف، أو العلاج النفسي، أو أدوات مثل التأمل الواعي—يمكن أن تمر العاصفة، وتزدهر الحديقة من جديد. قد تبقى ندوب العاصفة، لكنها يمكن أن تصبح جزءًا من منظر طبيعي قوي ومزدهر، شاهدًا على البقاء والنمو.

اضطراب ما بعد الصدمة هو صراع عميق يعيشه الإنسان عندما يواجه أحداثًا تهز إحساسه بالأمان والسيطرة والمعنى. إنه ليس مجرد “اضطراب”، بل شهادة على عمق ارتباطنا بالحياة، وعلى الطريقة التي يستجيب بها العقل والقلب والجسد عندما يُدفعون إلى مواجهة الفوضى أو الرعب بما يفوق قدرتهم على التحمل.


في جوهره، يظهر اضطراب ما بعد الصدمة عندما يعلق الإنسان في ظلال لحظة مؤلمة، غير قادر على تجاوز ما رآه أو سمعه أو شعر به في حدث يهدد حياته أو يسبب أذى جسديًا خطيرًا أو اعتداءً. يصبح الماضي حاضرًا، يتسلل إلى الحياة اليومية من خلال ذكريات حية، أو أحلام مزعجة، أو مشاعر غامرة تفاجئ الشخص في لحظات غير متوقعة.


رحلة اضطراب ما بعد الصدمة تمر بسلسلة من المراحل:
1. مواجهة ما لا يمكن تصوره: سواء كان الحدث نتيجة تجربة مباشرة، أو مشاهدته، أو معرفة أن أحد الأحباء قد تعرض له، فإنه يترك أثرًا عميقًا. وأحيانًا، يحمل أولئك الذين يقفون على الخطوط الأمامية للأحداث المؤلمة—مثل المستجيبين الأوائل—ثقل مآسي الآخرين وكأنها مآسيهم الخاصة.
2. عيش الصدى: تجد الصدمات طريقًا للعودة، سواء في شكل ذكريات غازية، أو كوابيس، أو استرجاعات تجعل العقل والجسد يعيشان الألم كما لو أنه لم ينتهِ أبدًا.
3. الهروب والتجنب: لحماية نفسه، غالبًا ما يتجنب العقل كل ما قد يذكره بالصدمة—الأشخاص أو الأماكن أو حتى المشاعر. لكن التجنب يمكن أن يخلق حواجز أمام الشفاء، مما يعزل الشخص أكثر.
4. اهتزاز الذات: يعيد اضطراب ما بعد الصدمة تشكيل نظرة الشخص لنفسه وللعالم. يمكن أن يملأ العقل بالذنب أو العار أو اللوم، ويستبدل الأمل بالخدر أو اليأس.
5. العيش على الحافة: يبقى الجسد في حالة استعداد دائم، كما لو أن الخطر يكمن في الأفق—مما يجعل الشخص سريع الغضب، متوترًا، غير قادر على النوم، أو يفزع من أبسط الأصوات.


الشفاء من اضطراب ما بعد الصدمة يتطلب معالجة العلاقة المكسورة بين النفس والصدمة والعالم. يقدم العلاج النفسي أدوات لمساعدة الأشخاص على استعادة قصصهم، سواء من خلال استكشاف وإعادة صياغة الذكريات المؤلمة أو مواجهة ما كان يخيفهم تدريجيًا. ومن بين هذه الأساليب: العلاج السلوكي المعرفي الموجه نحو الصدمة (TF-CBT)، وإزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR)، والعلاج بالتعرض المطول (PE).


بالنسبة للبعض، قد تساعد الأدوية مثل SSRIs أو SNRIs على تهدئة الاعراض وقد تبدي نتائج جيدة ، بينما يجد آخرون الراحة في التأمل الواعي بالعلاج السلوكي. كل رحلة شفاء فريدة من نوعها، لكن الهدف الأساسي واحد: تحويل الألم إلى قوة، وإعادة اكتشاف المعنى والارتباط بعد ظلال الصدمة.


اضطراب ما بعد الصدمة يذكرنا بهشاشة الإنسان وقوته في الوقت نفسه. إنه يعلمنا أنه حتى في أحلك اللحظات، يمكن أن يكون هناك أمل في الشفاء—من خلال الوقت، والدعم، والشجاعة لمواجهة ما تم دفنه. وعلى الرغم من أن الندوب قد تبقى، إلا أنها يمكن أن تصبح رموزًا للبقاء، والقوة، وجمال المضي قدمًا رغم ثقل الماضي.

لا تتردد في استشارة طبيبك
Mobile :+962797137454
https://www.linkedin.com/in/dr-yazeed-y-al-atelat-9b9438271?utm_source=share&utm_campaign=share_via&utm_content=profile&utm_medium=ios_app

Please leave a rating and Share - رجاء ترك تقييم و المشاركة مع الجميع

Click on a star to rate it!

Average rating - متوسط التقييم 5 / 5. Vote count - عدد التقييمات 1

No votes so far! Be the first to rate this post.

Post Author: Dr.yazeed y Al-atelat

‎حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة العامة من جامعة مؤتة (2014).
‎ • أنهيت برنامج الإقامة والتدريب في تخصص الطب النفسي والإدمان لدى الخدمات الطبية الملكية الأردنية.
‎ • حاصل على البورد الأردني في تخصص الطب النفسي والإدمان.
I hold a Bachelor of Medicine and Bachelor of Surgery (MBBS) degree from Mutah University, which I earned in 2014.

I completed my residency in psychiatry and addiction medicine at the Jordanian Royal Medical Services (JRMS), where I also served as the Chief Resident.

I am a board-certified psychiatrist, having obtained the Jordanian Board in Psychiatry and Addiction Medicine.